انه مما اخترته اليكم يا احبة فقد قال – رحمه الله – وقريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب ؛ فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحدٌ من البشر . فقلت له : وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : لأنكم تزعمون أن محمدًا ملكٌ ظالم ليس برسول صادق ، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم ، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله ويقول : الله أمرني بهذا وأباحه لي ، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك ، ويقول : أوحى إلي ولم يوحِ إليه شيء ، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده ، ويُبطل منها ما يشاء ، ويبقي منها ما يشاء ، وينسب ذلك كله إلى الله ، ويقتل أولياءه وأتباع رسله ، ويسترق نساءهم وذرياتهم ؛ فإما أن يكون الله سبحانه رائيًا لذلك كله عالمًا به مطلعا عليه أو لا ؟ فإن قلتم : إن ذلك بغير علمه واطلاعه ؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة ، وذلك من أقبح السب . وإن كان عالما به رائيًا له مشاهدًا لما يفعله ، فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ؟ فإن قلتم : إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده ؛ نسبتموه إلى العجز والضعف . وإن قلتم : بل هو قادر على منعه ولم يفعل ، نسبتموه إلى السفه والظلم والجور . هذا ؛ وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه يجيب دعواته ويقضي حاجاته ، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له ، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له ، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ، ولا تقوم له راية إلا نصرها ، ولا لواء إلا رفعه ، ولا من يناوئه ويعاديه إلا بتره ووضعه ، فكان أمره من حين ظهر إلى أن توفي يزداد على الأيام والليالي ظهورًا وعلوًا ورفعة ، وأمر مخالفيه لا يزداد إلا سفولا واضمحلالا ، ومحبته في قلوب الخلق تزيد على مر الأوقات ، وربه تعالى يؤيده بأنواع التأييد ، ويرفع ذكره غاية الرفع ، هذا وهو عندكم من أعظم أعدائه وأشدهم ضررًا على الناس ، فأي قدح في رب العالمين وأي مسبة له وأي طعن فيه أعظم من ذلك ؟! فأخذ الكلام منه مأخذًا ظهر عليه فقال : حاش لله أن نقول فيه هذه المقالة ، بل هو نبي صادق ، كل من اتبعه فهو سعيد، وكل منصف منا يقر بذلك ، ويقول أتباعه سعداء في الدارين . قلت له : فما يمنعك من الظفر بهذه السعادة ؟ فقال : وأتباع كل نبي من الأنبياء كذلك ، فأتباع موسى أيضًا سعداء . قلت له : فإذا أقررت أنه نبي صادق ، فقد كـفّـر من لم يتبعه ، واستباح دمه وماله ، وحكم له بالنار ؛ فإن صدقته في هذا وجب عليك اتباعه ، وإن كذبته فيه لم يكن نبيًا ، فكيف يكون أتباعه سعداء ! فلم يحر جوابًا ، وقال : حدثنا في غير هذا ! ) . ( مختصر الصواعق ، 1/115 – 116 ) . |
مناظرة طيبة لابن القيم مع نصراني
جار المجاورين- المساهمات : 63
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
- مساهمة رقم 1