قصة عيينة بن حصن الفزاري
د. محمد بن لطفي الصبّاغكان عيينة بن حصن شخصية أعرابية عاصرت الحقبة المضيئة في تاريخ الإنسانية، وهي عصر النبي العظيم - - . وفي أخبار هذه الشخصية بعض الطرافة وكثير من الغرابة أن تصدر عمّن تشرّف برؤية النبي - - .
وذكر ابن حجر في (الإصابة): «أنّ كنيته أبو مالك. ويقال: كان اسمه حذيفة، فلُقِّبَ عيينة؛ لأنه كان أصابته شجّة فجحظت عيناه. قاله ابن السكن»[1].
وكان من المؤلفة قلوبهم، ولم تصح له رواية، وقد أسلم قبل يوم الفتح، وشهِد الفتح وحُنيناً والطائف.
جاء في سيرة ابن هشام: «أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أذَّنَ بالرحيل بعد حصار الرسول - - للطائف؛ فلمّا استقلّ الناس نادى سعيد بن عبيد: ألا إنَّ الحيّ مقيم! فقال عيينة: أجل والله، مَجَدَةً كِرَاماً.
فقـال له رجـل مـن المسـلمين: قاتلك الله يا عيينة! أتمدح المشـركين بالامتناع عن رسول الله - - وقد جئتَ تنصر رسول الله - - ؟
فقال: إنّي والله ما جئتُ لأقاتل ثقيفاً معكم، ولكني أردتُ أن يفتح محمدٌ الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أتَّطِئها لعلها تلد لي رجلاً، فإنَّ ثقيفاً قوم مناكير!»[2] أي: ذوو دهاء وفطنة.
وهـذا الخـبر يدلّ على حال عيينة في تلك الآونة، وينطبق عليه ما ينطبق على الأعراب الذين قال الله - تبارك وتعالى - في حقهم: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَـمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ٤١].
ولــه مـوقـف مـن هذا القبيل في سبايا هوازن نذكره كمـا جـاء في سـيرة ابــن هــشام: (قــال رســول الله - - : «.. وأمـا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم»، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله - - ، وقال الأنصار: وما كـان لـنا فهو لرسول الله - - ، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم؛ فلا، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة؛ فلا، وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سُليم؛ فلا، فقالت بنو سُليم: بلى! ما كان لنا فهو لرسول الله - - ، فقال عباس بن مرداس لبني سُليم: وهنتموني)[3].
ثم قال ابن إسحاق:
(وأمّا عيـينة بـن حصـن فـأخذ عجوزاً من عـجائـز هـوازن، وقـال حـين أخـذها: أرى عـجـوزاً، إني لأحسب لها في الحـيّ نسـباً، وعسى أن يعـظــم فـداؤهــا. فلمّا ردّ رسول الله - - السبايا بست فرائض، أبى أن يردّها، فقال له زهـيـر أبو صُـرَد: خذهـا عنك؛ فوالله ما فـوها بـبـارد، ولا ثـديـها بنـاهـد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد[4]، ولا درُّها بماكد[5]؛ فردّها بست فرائض حين قال له زهير ما قال)[6].
وقد تألف الرسول - - عيينة يوم حنين فأعطاه مئة من الإبل.
وقال ابن بطال[7]: وكان يقال له: الأحمق المطاع. قال ذلك في شرحه حديث عائشة الذي أخرجه البخاري برقم 6032، ومسلم برقم 2591، وأبو داود برقم 4791، والترمذي برقم 1996؛ وهو: